تمضى الدقائق بطيئة تسحقني الثواني و أنا في انتظار قدومها أغرق في دوامات عنيفة من التفكير , هي سوف تأتي بعد قليل أو كثير قد تدخل الأن وقد تأتي بعد دقائق وربما ساعات , لكن المؤكد أنها آتية , المؤكد ايضا أني أريد أن يثور بركان أفكاري فتأخذها الرغبة في الغوص بحممه , لكني غير قادر على فعل ذلك أو عدم فعله لا إرادة لي أو تدخل في حدوثه من عدمه , تحوّطني القيود تتملك من كلي , جزء مني غارق في بحر الوطن لكنه غير منفصل عنها , هي من تستطيع نجدتي , وحدها تكون السفينة التي يمكنها حملي على متنها , هي من توهبني القوة و تسلبها , الجزء الاخر مني هي , لكنها مثلي أو اكثر تعاني الضعف والوهن تملئها الهموم قلبها يعتصر وجعاً وتريد من ينقذها و يبعث فيها القوة , أخاف أن أحدّثها فأثقل همومها هماً , و أخاف أن لا أحدثها فتكون كلماتي هي الغوث الذي تنتظره و أمنعه أنا , هل أقول لها أن رفقتها تعطيني قوة تجعلني قادر على جعلها قوية , تجعل مني أخيل أحارب طروداة من أجلها , فأنتصر لوطني و أنتصر لها , أنتصر بها , بدونها لا أكون سوى بقايا إنسان هش ضعيف بالكاد أستطيع حماية نفسي وقد أفشل , أريد أن أخبرها بأن يجب عليها قبول عشقي لكي لا تهلك ولا أهلك , لكي أبني لها مملكة عشق حصينة تحوّطها أسوار هوى عالية تجعلها آمنة , تتوسط أسوارها أبواب محبة ضخمة ثم أتوّجها المليكة الأبدية , أبقى أنا قائد جيوش حماية تلك المملكة , أكمل حياتي حارس الملكة مدافع عنها , و أموت شهيدها , أنتظر يوم أن أبعث حيا لنكمل سويا رحلة الخلود الأبدي في جنان الرحمن , أود لو أخبرها بالحلم الذي بعثه الله إليّ في منامي , كانت رسالة إلهية مصورة رأيتنا معاً في الجنة نجلس على ضفاف نهر الخمر نستقي منه و نسكْر السكْر الحلال ثم نذوب عشقاً , حتى نفيق , فنشبك أيدينا و نجري سويا في حدائق الكروم نلهو و نلعب تتوارى مني مختبأة خلف الشجيرات و حين أجدها أهرول بإتجاهها أمسك بها محتضنها بين ذراعي فتفلت جسدها ثم تميل على الفرع المثمر بجوارنا تقطف بفهما منه ثمرة تبرز نصفها من أوسط شفتيها و تقترب مني لأقبل منها قبلة بنكهة كروم الجنة , حين لامست شفتيها شفتي انصهرت روحينا حتى صرنا روح واحدة , ظلّت قبلتنا حتى مغيب الشمس , فقررنا أن نودعها من أعلى قمم جبال الجنة , رفرفنا بأذرعنا فطرنا حتى وصلنا للمكان , جلستُ وجلست ممدة واضعة رأسها على صدري حوّطتها أذرعي و ضممتها إليّ بحنان أب , أخذنا نتأمل الغروب على أنغام الموسيقى الإلهية المنعبثة من الملائكة المحيطة بنا , غربت الشمس وحل الليل فـ تلألأت النجوم في السماء الصافية , همست لي برغبتها في زيارة شجر التفاح التي حُرم على أبونا أدم أن يأكل منها , نظرت لها مبستما و وافقتها ثم اتجهنا في طريق الشجرة , حين وصلنا نظرت إليّ النظرة التي تعرف أنها تسلبني كل قوة أو إرادة لي أمامها , تلك النظرة التي تجعلني خادم مطيع بين يديها , ثم نظرت إلى الشجرة و مدت يديها لتقطف تفاحة و قضمت جزء منها ثم نظرت لي و أعطتني إياها , نظرتُ إليها و قولت مازحا أترغبين أن تهبطي بنا إلى الارض , فقالت الأرض معك جنة , قولت أتريدين مني أن أعصي أمر ربي كما فعل أبانا , قالت أوتؤمن بذلك حقا ضحكت و قولت لها أنت تعرفين أني أؤمن أن أدم لما يأكل من الشجرة عصيان لأمر ربه بل طاعة لرغبة محبوبته حواء , وكأن الله أمره بذلك ليرينا عظمة خلقه , ليضرب أول مثل للبشرية بتأثير سحر حواء , ابتسمت لي و كان وجهها الباسم أخر ما رأيته في تلك الرسالة الألهية .
آآآه لو أمتلك قرار أن أصرّح لها بكل هذا , آآه لو تثق في أنها معي سترى حياة اخرى على الأرض و في السماء , أنا لا احلم بالحور العين , ولا أبتغيهن بديلا عنها , لا أريد أن ألوذ بسعادة لنفسي بدونها , سعادتها هي أعظم مبتغاي , دعوت الله دوما أن يبعث لها برسالة كتلك التي بعثت لي , لترى كيف هي الحياة ونحن سويا , لا أريد سوى أن أكون يد الله التي تحملها , تحتضنها , تمسح دموعها, وقلب خُلقَ ليحنن عليها وينبض بها , أكون لها إحساس الأمان , الراحة والطمأنينة .
على صوت خطواتها تنبهت لمجيئها نظرت إليها مبتسما و لم أتحدث , لم يكن لي إرادة في أن أتخذ القرار بأن أسرد لها ما كان يعتصرني بداخلي , يميتني و يحييني منذ لحظات , نظرت إليها نظرة مبتسمة ومرحبة ثم أمسكت فنجاني و ارتشفت قهوتي ثم عاودت النظر إلى كتابي و أكملت قراءة القصيدة
وانتظرها
ولَمِّع لها لَيْلَها خاتماً خاتماً
وانتظرها
إلى أَن يقولَ لَكَ الليلُ
لم يَبْقَ غيركُما في الوجودِ
فخُذْها، بِرِفْقٍ، إلى موتكَ المُشْتَهى
وانتظرها!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق