الثلاثاء، 7 يونيو 2011

سمراء

مؤخرا امتلأت أيامي بالكثير من هموم الدنيا فنسيت نفسي و أهملت حياتي الشخصية فلقد مرت بي سنوات خمس بدون أنثى فأي حياة تلك التي بلا أنثى فأصبحت دنيايا كالسماء بدون نجوم و القمر المحاق و الشمس التي تحجبها الغيوم و النهر بلا ماء و الزهور بلا عطر و خلال رحلتي في الحياة قابلت الكثير من البشر و تعاملت معهم , تقرّبت من الكثير منهم و رأيت في بعضهم من يشاركني بعض الصفات و لكني لم أكن أتخيل يوما أنني سوف أجد هناك من هو أنا , هناك من ستعيد إليّ حياتي التائهة التي ستنقلني من الارض الى السماء و أنا حيا

.

خرجت من منزلي هذا الصباح و لم أكن أعلم ماذا يخبئ لي القدر هذا اليوم و لكن كان ينتابني إحساس غريب على غير العادة لم أفكر كثيرا في ذلك فكل ما أعلمه أن لدي موعد عمل مع فتاة تسمى هدير أرسلها صديق لي لكي تقوم بمعاونتي في بعض الأعمال في مشروعي الأخير و لكني كنت أعرفها مسبقا معرفة طفيفة فلقد رأيتها من قبل و أتذكرها جيدا فلقد كانت جذّابة و بها شيئ شدّني إليها و زرع بداخلي شيئا من الشوق و اللهفة للقائها

.

كان موعدنا في تمام الثالثة عصرا و كعادتي السيئة التي أجاهد من أجل أن أتخلص منها و هي التأخير و عدم إلتزامي بالمواعيد تأخرت على الموعد فخرجت مسرعا قدر الأمكان وأنا أشعر بكل أنواع الخجل , كيف سأقابل الفتاة و بأي وجه فهو لقائنا الأول و كان علي أن أحضر في موعدي حتى لا ينتقص قدري أمامها , وصلت الساعة الرابعة و خمس دقائق و وجهي تكسوه حمرة الخجل دخلت إلى مكان اللقاء و كانت المفجأة أني لم أجدها فغضبت كثيرا من نفسي فمن المؤكد أنها جاءت و إنتظرتني و عندما تأخرت عليها غادرت المكان , أخرجت هاتفي من جيبي و اتصلت بها لأعتذر لها و عندما أجابت على إتصالي كانت المفجأة

- السلام عليكم



- و عليكم السلام معلش يا أحمد أنا أسفة أنا خلاص دقيقة واحدة بالظبط و هكون عندك

- متفاجئا و مسرور : أوك خلاص بس بسرعة شوية يا هدير لو سمحت

- سلام

- سلام

بعد هذه المكالمة تلاشي توتري وإحساسي بالذنب و ذهبت لأجلس و جلست على منضدة في أخر الرواق المواجه لباب المطعم

مرت خمسة دقائق كاملة و أنا أنظر بإتجاه الباب و فجأة رأيتها تلج إلي المكان حورية متأنقة بمجرد ما رأيتها قادمة نحوي إنتابتني مشاعر غريبة لما أشعر بها من قبل مشاعر لا أعرف كيف أصفها لكن ما شعرت به و كأني أرض ظمئانة تتلهف للقاء الماء فكلما اقتربت مني و كأن هاويس المياه قد فتح لتغطيني مياهيها و تروي عطش سنواتي الماضية , و بدون أن أدري و بشيئ لا إرادي وجدتني أردد بصوت خافت لا أعلم ان كانت قد سمعته أم لا بيتا لجورج جرداق تقول كلماته " سمراء كليل السهران و كطلة بنت السلطان " تلك الكلمات كانت الأنسب لوصفها فبشرتها تكسوها سمرة ساحرة تأخذك إلي أعماق أعماق السماء الصافية ليلا و يتوسط وجهها أنف صغيرة متلألئة كنجم يتوسط تلك السماء التي تملك قمرين صغيرين يلمعان و كأنهما جوهرتين هما عيناها فجأة أيقظت نفسي وعدت إلى الواقع حتى إقتربت أكثر مني و لم يفصلني عنها سوا أربعة أمتار تقريبا فوصلني عطرها الذي توغلني و ذوّبني كأنني مكعب سكر هش لا حول له ولا قوة قد سقط رغما عنه في كوب مياه فتفتت جزيئاته في لحظة

.
أيقظني و نبّهني صوتها الذي حسبته للوهلة الأولى أنه كروان يتغني و ليست هي التي تتحدث , قائلة

- ازيك يا أحمد أنا أسفة جدا على التأخير


تمالكت نفسي سريعا منتبها لها


- و أجبت و الضيق يرتسم على وجهي ازيك يا هدير ينفع يعني التأخير ده

- أخجلها لومي و إحمر وجهها و قالت : أنا أسفة والله بس المواصلات كانت صعبة و الطريق كان زحمة و ..... " إستمرت دقيقتين في سرد أعذار لتبرر بها تأخيرها على الموعد و قتها إبتسمت و أنا أنظر إليها لأراني متجسدا فيها و كأنها مرآتي فرأيت نفسي بها ، لو كانت أسرعت خمس دقائق فقط كنت سأقف نفس موقفها و أردد نفس ما تقوله لي الأن بنفس الكلمات و نفس المبررات

" .
- بنفس ملامح الضيق قلت لها : خلاص ولا يهمك بس أرجوكي تحافظي على مواعيدك بعد كده , ثم ضحكت و أخبرتها بأني أتيت قبلها بدقائق معدودة

.
جلسنا سويا لنجهز ما إجتمعنا من أجل إنجازه وقتها كنت بدأت أغوص في داخلها , أستشعرها , و أحللها لأكتشف المزيد منّي فيها فلمّا تعمّقت وجدتني بكل تفاصيلي

.
تركت العمل الذي جئت من أجله و بدأت أتحدث معها عن أمور عامة و عنها و عني كنت أبحث أكثر عني بداخلها فلمّا تحدّثت عن هواياتها فكأنها تتحدث عن هواياتي أنا و لمّا ناقشتها في أفكارها ذهلت فكأنني أنا الذي أتكلم , يا الله ما هذا فهل خلق الله مني ذكرا تجسد في و أنثى تجسدت فيها ؟؟

!!
أخذت أغوص أكثر و أكثر فيها , أسبح في بحور عقلها , أنقّب بأعماق قلبها , أفتش في دروب أفكارها , ماذا يحدث , مستحيل , غير طبيعي , هل هذا الذي تراه عيني وتسمعه أذني حقيقة أم هو أجمل حلم راودني في حياتي كلها ؟؟!! هل أنا مستيقظ أم نائم ؟؟ّ

!!
ما أراه و كأنني أسافر في رحلة روحانية بداخل نفسي , هل أنتي أنا ؟؟!! أجيبيني


أم أنك هبة الله لي في الأرض ؟؟

!!
أخذت هي تسترسل في الكلام و أنا فقط صامت منبهراً هائماً لا أنطق


انتبهت فجأة لتغريدها وهي تقول


- احمد انت معايا؟؟

!!
وكأنني سكراناً اجبت عليها - هه مين ؟؟ أنا ؟؟

!!
- احمد انت كويس؟؟

- أنا ؟؟!!

هذه المرة لن يخرجني من أعماقها شيئ فأنا الأن في اللامكان و اللازمان , تلاشت الجاذبية و صرت هائما سابحا في فضائها أشعر بحرية الطائر فى السماء

في تلك اللحظة كانت هي متعجبة لصمتي و لنظراتي الشاردة غير مدركة بما يحدث فهي تتحدث إلي وتناديني و لا تجد أي إستجابة مني و فجأة رأتني أنظر إليها وقتها كنت أنا قد وجدت ضالتي و حددت مصيري و قررت أن أظل في ذلك العالم معاها و لن أعود مرة أخرى إلى عالمي الكئيب و بدون التفكير في أن هذا لقائنا الأول وبدون التفكير في أي شيئ نهضت واقفا و نظرت إلى عينها و بمنتهى الحرية و بدون أي قيود أطلقت العنان لقلبي ليعطي الأمر للساني بالتحرر فوجدتني أقول لها

اناااا ..... اناااااا ... انا بحبك